السبت، 18 يونيو 2011

النقاب... معركة بلا راية!


منذ بدأت معركة النقاب وأنا أتابع أحداثها، وأتأمل أبرز اللاعبين فيها، وأستمع إلى تبريراتهم، كما أستمع في الوقت نفسه إلى الجانب الآخر الذي يرى أن هذه المعركة مفتعلة بكل ما فيها من أحداث، وأن كل ما يقوله الطرف الآخر لا يعبر عن الحقيقة وإنما هناك أهداف أخرى لا تمت إلى النقاب بصلة... وأتساءل دائماً: هل إن واقع المسلمات المنقبات يستحق كل هذه المعركة؟!
وهل أصبح النقاب خطراً على أمن بعض الدول ومنافياً لقيم دول أخرى، واضطهاداً لحقوق المرأة وكرامتها في دول ثالثة؟!
وفي خضم هذه المعركة «المنقبة» خرج علينا هذا المفتي وذاك؛ فمن قائل: إن النقاب عادة جاهلية لا تمت للإسلام بصلة، وآخر جعل الأتراك سبباً في هذه «العادة» السيئة، وثالث أباح للفرنجة أن يسنوا ما يشاؤون من قوانين وما على المسلمة إلا الاستسلام، أما الرابع فقال بجواز خلع النقاب هناك خشية الفتنة، أما خامسهم فأفتى مأجوراً بأن ولي أمر المسلمين له الحق في إلزام المسلمة بخلع نقابها مادام كشف الوجه مباحاً! ولا أريد أخباركم من هو ولي أمر المسلمين الذي يعنيه خشية أن أفتنكم!
وتعددت الآراء والفتاوى ولست أدري هل هذه المعركة «المنقبة» تستحق كل هذه الاجتهادات من جهابذة المفتين في طول العالم الإسلامي وعرضه؟!
فرنسا بلد الحرية والعلمانية وحقوق الإنسان والحيوان...الخ رفعت الراية، وأفتى بعض جهابذتها بأن النقاب لا يمت لحقوق الإنسان بصلة، وأنه خطر على الفرنسيين خاصة في الأماكن العامة... و...
النقاب خطر على الأمن؟
تخيل دولة بحجم فرنسا تخشى على أمنها من مئات المنقبات! وهذه الـ «فرنسا» ترى أن النقاب لا يمت لحقوق الإنسان!
الإنسان إذاً ليس له الحق في اختيار نوعية ملابسه مع أن هذا الاختيار من أخص خصوصياته كما نعرف... لكن أن تعري المرأة الجزء الأعظم من جسدها فهذا من حقها!
نوادي العراة من مظاهر الحرية التي عرفتها فرنسا لكن النقاب شيء آخر!
هل تريد منا فرنسا أن نصدقها؟
دول أوربية أخرى بدأت تسلك الطريق نفسه, وتستخدم الحجج ذاتها.بريطانيا هي التي مازالت متمسكة بديمقراطيتها، وهي التي مازالت تستحق الاحترام.
لا أعتقد أن إشكالية الأوروبيين الذين يتحدثون عن الحجاب هي وحدها الإشكالية التي تؤرقهم فالواضح أن وراء الأكمة ما وراءها!
طالب البعض في فرنسا بترحيل كل المسلمين إلى بلادهم الأصلية والحديث هنا عن الذين يحملون الجنسية الفرنسية!
هذه الدعوة العنصرية مضت بسلام!، أما كبيرة الصحافيين في البيت الأبيض فقد طردت من عملها عندما قالت: أن على اليهود أن يعودوا إلى بلادهم الأصلية.. وروجيه جارودي المفكر الفرنسي الكبير سجن عندما ناقش موضوع المحرقة النازية ومع هذا فما زالوا يتحدثون عن الحرية وحقوق الإنسان!.
عدوى معركة الحجاب انتقلت إلى بعض بلادنا العربية وإن كانت بأشكال متنوعة ففي بعض هذه البلاد منعت المنقبات من دخول الجامعة بحجة المحافظة على الأمن وفي بعضها الآخر منعن من الدراسة ومن التدريس وحولت مجموعة كبيرة منهن إلى أعمال إدارية!
خرج علينا واحد من فقهاء هذه الدولة قائلاً: إن كشف الوجه جائز ومادام الأمر هكذا فمن حق المسئول أن يلزم المرأة بما يراه! ولكن أليس من حق صاحبة الحق أن تفعل هي ما تراه مادام الأمر جائزا؟.
قال آخر: إن النقاب يتنافى مع علمانية الدولة!
لكنه لم يشرح لنا وجهة نظره... العلمانيون يشيعون قيم الحرية – هكذا يقولون – ومنع النقاب يتنافى مع أبسط هذه القيم فأين العلمانية التي يدعون؟! ولاحظ أننا نتحدث عن بلد عربي مسلم!
الدول العربية التي منعت النقاب أو تعمل على منعه تعطي الحق للمرأة أن تكون شبه عارية في المسابح والشواطئ كل ذلك بحجة إشاعة قيم الحرية؛ هذه القيم تتناساها عندما يأتي الحديث عن النقاب أو غيره مما لا يتفق مع توجهات حكام هذه الدول.
الشيء الذي أحمده كثيراً لجمعية حقوق الإنسان بالسعودية أنها أدانت القرار الفرنسي وقالت: إنه يتناقض مع حرية الملبس للأفراد التي تقرها القوانين الدولية...
كنت - ومازلت - أتمنى أن تحذو كل الجمعيات الحقوقية في عالمنا العربي والإسلامي حذوها فتنتقد هذا الفعل في أي مكان في العالم لأنني أعتقد أن الأمور قد تتطور للأسوأ خاصة في أوروبا أن لم تتحرك هذه الجمعيات وسواها للوقوف ضد ذلك القرار.
وعلى كل العقلاء في العالم مسلمين وغير مسلمين ممن يؤمنون بحرية الفرد أن يقفوا ضد القرار الفرنسي وكل قرار آخر على هذه الشاكلة دفاعا عن حقوق الإنسان وهذا أقل عمل يجب عليهم القيام به.
أعرف أن كشف الوجه جائز... ولكنني أعرف – أيضا – أن من حق المرأة أن تفعل ما تراه لأن هذا حقها وحدها... المعركة أكبر من النقاب، لكنها في نهاية المطاف معركة بلا راية!


محمد علي الهرفي
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 2902 - الثلثاء 17 أغسطس 2010م الموافق 07 رمضان 1431هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق